خلال الصالون الثقافي لتدريس التطبيقي لشهر ديسمبر
نظمت اللجنة الثقافية في رابطة أعضاء هيئة التدريس
للكليات التطبيقية بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب صالونها الثقافي لشهر
ديسمبر 2018 وأقيم بالتعاون مع جمعية المترجمين الكويتية، وتم خلاله الحديث عن
"استخدام الترجمة في تدريس المواد المختلفة"، وكان ضيوف الصالون كلا من
رئيس مجلس إدارة جمعية المترجمين الكويتية د. طارق فخر الدين، والأستاذ المساعد
بنظم المعلومات العميد المساعد لشئون الطلبة بكلية الدراسات التجارية د. بندر
الرقاص، والأستاذ المشارك بقسم التصميم الداخلي في كلية التربية الأساسية د. علي
صالح النجادة، والأستاذ المساعد بقسم علوم المعلومات في جامعة الكويت د. إيمان طعمه
الشمري، وأدارت الحوار أمين سر جمعية المترجمين الكويتية د. ضياء بورسلي، وذلك
بحضور رئيس اللجنة الثقافية بالرابطة د. يوسف مسعد العنزي، إضافة للفيف من أعضاء
هيئة التدريس والمهتمين بالترجمة في الكويت.
وخلال الفعالية أكد رئيس مجلس إدارة جمعية المترجمين
الكويتية د. طارق فخر الدين على "دور الترجمة الجزئية في مساندة التعليم
الجامعي" وقال أنه عندما كان طالبا في جامعة الكويت، كان الاساتذة بقسم اللغة الانجليزية في الجامعة
يمنعون الطلبة من ترجمة النصوص الصعبة أو
شرحها لهم باللغة العربية . وحينما قام مع زملائه بتأسيس جمعية اللغة الانجليزية
طلبوا غرفة لتكون مقرا للجمعية فأعطاهم مدير الجامعة آنذاك د. عبدالفتاح اسماعيل
غرفة في الطابق المخصص للغة العربية، وحسب العرف المتبع بقسم اللغة الانجليزية
قمنا بكتابة لافتة خارج الغرفة بأنه ممنوع التحدث داخلها باللغة العربية فثار
زملاؤنا بقسم اللغة العربية واتهمونا بالاستفزاز وقاموا بطردنا من الغرفة! فكنا بالطابق الثالث المخصص للغة الانجليزية
ممنوع علينا التحدث باللغة العربية، وبالطابق الثاني المخصص لقسم اللغة العربية
ممنوع علينا التحدث بالإنجليزية، وكانت قائمة الممنوعات تشتمل على عدم التحدث
بالعربية في قاعات المحاضرات وعدم اللجوء
للقواميس وعدم ترجمة المادة الانجليزية للغة العربية، حيث كان اساتذتنا يقولون أن
طالب اللغة الانجليزية يجب أن يعيش ويفكر ويحلم ويتنفس باللغة الانجليزية ولا يعكر
صفو ذهنه بالتفكير باللغة العربية. وكان هذا النهج لإجبار الطالب على تشرب اللغة
الانجليزية إلا أن الأساتذة لم يبذلوا أي مجهود
إضافي تجاه مساعدة طلابهم لتلبية
ذلك المتطلب . ويبدو أنهم قد ورثوا مقولة الفيلسوف والسياسي الانجليزي
"توماس ماكولي" الذي
نادى في النصف الأول من القرن التاسع عشر أن العرق الانجليزي هو سيد الأعراق
البشرية ومنوط بهذا العرق نقل الحضارة إلى جميع الشعوب المتخلفة الموجودة في الهند
وافريقيا والشرق.
وأشار د. فخر الدين إلى أن
ماكولي قام بتغيير نظام التعليم في الهند حيث سعى الى محو اللغة المحلية، ونادي
بإنتاج جيل جديد من الهنود يتحدثون ويأكلون ويحلمون بالإنجليزية وسماهم بالإنجليز
السود، وانتجت الإدارة الاستعمارية الانجليزية في
الهند طبقة كبيرة من المثقفين الهنود
في القرن التاسع عشر درسوا في اكسفورد وكامبريدج بإنجلترا والمدارس التي
أنشأها الانجليز في الهند ونسوا لغتهم المحلية ولكنهم لم ينسوا وطنيتهم، فقد
تشربوا المبادي الفلسفية الغربية وتأثروا بالأفكار الاوروبية وقاموا بثورة على
الانجليز في العام 1857 . وأوضح فخر الدين
أن ورثة ماكولي من الاستعماريين حالوا تطبيق هذا النهج في مصر بعد الاحتلال الانجليزي
في عام 1882 حيث قللوا من مناهج اللغة العربية في محاولة منهم لتأصيل اللغة
الانجليزية في مصر ولكنهم لم ينجحوا في ذلك إلا بشكل متواضع.
وتطرق د. فخر الدين لتجربته في التدريس في جامعة الكويت،
فقال أنه في آخر فصل دراسي له كمدرس
بالجامعة وقبيل تقديم استقالته تمكن من تحقيق طموحه وقام باستخدام الترجمة كجزء من
تدريس إحدى مسرحيات شكسبير، حيث قال لطلابه أن المسرحية مترجمة باللغة العربية
فاذهبوا واقرأوها وسوف اختبركم فيها، فاعترض البعض وقالوا نحن هنا للدراسة باللغة
الانجليزية و لا نرغب في القراءة باللغة العربية، فقلت لهم هذا هو الادب الانجليزي
مترجم للعربية، وبالفعل في المحاضرة التالية وجدتهم قد قرأوا المسرحية وفهموها
جيدا . وبعدها وضعنا الترجمة العربية جانبا وبدأنا في قراءة المسرحية باللغة
الانجليزية ، وكانت المفاجأة ان الطلاب اهتموا بقراءة كل جملة في المسرحية بلغتها
الأصلية.
وأكد د. فخر الدين أن تلك التجربة أكدت ما كان يؤمن به
دائما من أن الإنسان لا يستطيع الانسلاخ عن لغته أو ثقافته، لافتا إلى أن الترجمة
هنا لعبت دورا مهما في زيادة وعي الطالب بالنص الانجليزي وتسريع الفهم لديه
والمقارنة السليمة بين لغته الاصلية واللغة
الاجنبية، وساعدتهم الترجمة على التعلم الواعي وكسر حاجز اللغة الاجنبية كما
ساعدتهم على اختراق الحاجز الهيكلي وهو بناء العمل الأدبي، وقل الغموض لديهم واصبح
تعلم الطلبة هادفا إذ تحولوا من مجرد متلقين سلبيين إلى مشاركين فاعلين في تعلمهم،
واتاحت لهم الترجمة خلفية معرفية مكنتهم من ربط المعرفة الجديدة التي قرأوها
باللغة الاجنبية بالمعرفة المخزنة لديهم
عن المسرحية من خلال الترجمة ضمن إطار محكوم.
وحذر د. فخر الدين من نظرية ماكولي لأنها مبنية على
استئصال الثقافة من ذهن الطالب ونسيان ما يعرفه تماما عن ثقافته والاندماج في
المعرفة اللغوية و الثقافية الجديدة. كما
لفت الى أن العديد من كتب تعليم اللغة الانجليزية المستخدمة الآن لم تنجح في تعليم
اللغة بشكل سليم ، وهناك مساعي كبيرة من قبل من يكتبونها لمنع إدخال الترجمة في
التعليم، إذ أن مجرد إدخال مكون الترجمة يعني الاستعانة بالعناصر الوطنية في وضع
المناهج و التدريس ، وهم لا يريدون ذلك ،
فالعملية لديهم مجرد تجارة ضخمة يستفيدون منها وينشرون ثقافتهم ويتنقلون من
مكان لآخر، ولهم مآرب أخرى من تنقلاتهم وليس التعليم فحسب. مشيرا إلى أن الطلبة
الامريكان والانجليز من دارسي اللغة العربية
لا يطلعون على النحو العربي في كتب عربية مثل سيبويه أو الأشموني ، وإنما
يدرسونه في كتب انجليزية كتبها اساتذتهم خصيصا لهم تحتوي على شروح القواعد العربية
باللغة الانجليزية مع امثلة باللغة العربية وحتى تلك الامثلة مصحوبة بترجمتها
الانجليزية لأن ذلك هو اقصر طريق لتعلم لغة و ثقافة الآخرين.
أما د. بندر الرقاص فقد
تحدث عن التحديات المعاصرة للترجمة، وقال أن قسم الحاسب الآلي في بداياته بكلية
الدراسات التجارية كل المقررات تدرس باللغة الانجليزية، ولكن أعضاء هيئة التدريس
كانوا يضطرون للشرح باللغة العربية نظرا لانخفاض مستوى الطلبة ولكن كنا نُصر أن
يتعلم الطالب المصطلحات باللغة الانجليزية لأن المصطلح ترجمته تختلف من مكان لآخر،
فكنا في السابق نرى أن المصطلح الواحد له العديد من الترجمات، ولكن بالوقت الحالي
أصبح هناك تجانسا بعض الشيء.
وأوضح د. الرقاص أن هناك صعوبات تواجه كل من يقوم
بالترجمة، فعلى سبيل المثال هناك برامج حاليا تقوم بالترجمة وهي من تحدد لغة النص
المدخل إليها ومن ثم تقوم بترجمته للغة التي نختارها، ولكن في حالة إدخال نص طويل
يختلف الوضع ونفقد المعنى الحقيقي للمحتوى، ويرى أن برامج الترجمة مفيدة ولكنها ليست
هي الحل لترجمة كافة النصوص، والترجمة بالجهد الجماعي تختلف عن الترجمة بالجهد
الفردي، ويجب أن يكون المترجم ملما باللهجة المحلية التي يترجم لها، وللأسف كثير
من المؤسسات تبحث عن المترجم الأرخص سعرا وليس الأجود في ترجمته للنصوص.
من جهته عرف د. علي صالح النجادة
الترجمة بأنها عملية تحويل النص الأصلي للمصدر المكتوب أو المنطوق من لغة المصدر
إلى نص مكتوب أو منطوق بلغة الهدف، مشيرا إلى أن أهداف الترجمة هي نقل الحضارة
والعلوم والثقافة والفكر، وتسهيل عملية التواصل بين الأفراد والجماعات والأمم،
والمساعدة على اتخاذ القرارات المناسبة بالوقت المناسب.
وعن أنواع الترجمة قال د. النجادة أن للترجمة أنواع
متعددة، فمنها ترجمة المحتوى ويشتمل على الترجمة الحرفية، والترجمة الحرة وهي
ترجمة الدلالة بالدلالة أو المضمون بالمضمون، والترجمة الأمينة وتكون من الصعب جدا
تطابق المفردات والمفاهيم بين لغتين مختلفتين وهذا يؤثر سلبا على أمانة الترجمة،
وضرب مثالا على ذلك بأنه قام بإدخال نص الآية الكريمة "ولكم في القصاص حياة
يا أولي الالباب" إلى موقع ترجمة قوقل فكانت فترجمتها الحرفية هي ( and you in retribution, Omen of understanding life ) ومن ثم أخذ تلك الترجمة الحرفية وأدخلها بنفس الموقع لترجمتها
من الانجليزية إلى العربية فكانت الترجمة الحرفية (وانت انتقام يا رجال فهم الحياة
) فأعاد إدخال هذا النص الحرفي لترجمته في قوقل فكانت النتيجة ما يلي (you are revenge, men, understanding life) فجاءت الترجمة (ترجمة معاني القرآن الكريم، محمد أسد، فأدخل النص
لنفس الموقع مرة أخرى فجاءت الترجمة كالتالي (for, in “the law of” just retribution, O you who are endowed with
insight, there is life for you) فجاءت
الترجمة "ل في قانون القصاص فقط يا ايها الذين وهبوا البصيرة، هناك حياة
بالنسبة لك.
وأوضح د. النجادة أن الترجمة النوعية تشتمل على الترجمة
التحريرية وهي الترجمة المكتوبة، والترجمة التتبعية وهي الترجمة بعد صمت المتكلم
ومنها الترجمة لرؤساء الدول عند زياراتهم لبعضهم البعض، والترجمة الفورية وهي
الترجمة المباشرة أثناء حديث المتكلم ويتم ذلك من خلال سماعات خاصة للمستمعين،
وهناك ترجمة الافلام وهي ترجمة اللغة العامة إلى اللغة الدارجة للمتحدثين،
والترجمة ضمن اللغة الواحدة وهي إعادة صياغة مفردات أو اشارات لفظية إلى ما يوضحها
من نفس اللغة كما في تفاسير القرآن الكريم، والترجمة من لغة لأخرى وفيها يجب
مراعاة تكافؤ المفردات والاشارات اللفظية وعلامات الترقيم بين اللغتين، والترجمة
من علامة إلى أخرى وهي الترجمة من لغة لفظية إلى اشارات أو العكس بالعكس كلغة
الاشارة.
وبين د. النجادة أن أسس الترجمة هي نقل المعنى وليس
النقل الحرفي لترجمة المفردات والجمل مثل (الشعر، الامثال، التشبيهات المجازية
والمحسنات البديعية)، وكذلك نقل الغلاف اللغوي الذي يغلف المعنى مثل (غلاف الازمنة
الماضية او الحاضرة او المستقبلية يمكن أن يؤثر في الترجمة)، ومنها نقل الأسلوب
مثل (اسلوب الكاتب أو المتحدث وتشبيهاته من لغة المصدر إلى لغة الهدف في السياق
الحضاري لكليهما.
وعن ابرز التحديات التي تواجه الترجمة قال د. النجادة أن
ابرز التحديات تتلخص في المرادفات اللغوية، وثقافة اللغة، وقواعد اللغة كالنحو
والصرف، وتراكيب الجمل كالجمل الفعلية والاسمية ونحوها، وترتيب مفردات اللغة
كالاسم والفعل والحرف، لافتا إلى علاقة الترجمة بالتعليم والتعلم وهي تسهيل عملية
نقل العلوم والثقافات والافكار المختلفة من المعلم الى المتعلم، والمساعدة على فهم
اهمية المهارات المرتبطة بالعلوم والثقافات والافكار المختلفة، وتشجيع التعلم عن
بعد، وتشجيع التعلم مدى الحياة، والمساهمة الفعالة في بناء التراكم العلمي
والمعرفي لفائدة الانسانية.
من جانبها آثرت د. إيمان طعمة
الشمري أن تبتدأ بالحديث عن الفتوحات الاسلامية وبداية ظهور علم الترجمة، وقالت أن
الفتوحات الإسلامية غيرت النسيج الاجتماعي فلم يعد المجتمع عربيا صرفا بل أصبح نسيجا
من مجتمعات عديدة لا تنطق العربية بالضرورة،
فظهر اهتمام كبير بعلم الترجمة في القرن الثاني والثالث للهجرة وكان انتقال
عاصمة الدولة الأموية من دمشق إلى بغداد في العصر العباسي عاملا مهما فيها، موضحة
ان حركة الترجمة في ذلك العصر كانت مبنية على مراحل تبتدأ بالمتخصصين في كل علم ثم
يتم تدقيقها لغويا من علماء النحو أي أنها كانت تحترم التخصص العلمي.
وانتقلت د. الشمري إلى الحديث عن الترجمة التخصصية وركزت
على الترجمة العلمية، حيث أشارت إلى أن ما يميز علم عن آخر هو "المصطلح"
فللطب مصطلحاته وللهندسة مصطلحاتها وللفلسفة كذلك مصطلحاتها، مما ينقلنا إلى الواقع
الحالي في علم الترجمة حيث يتم على أيدي 3 فئات، الفئة المتخصصة علميا والمترجم الذي
يتقن اللغتين العربية واللغة الأخرى المراد ترجمتها ولكنه بالضرورة لا يدرك المصطلحات
العلمية، وصاحب المعجم الذي يجتهد بتقديم كلمة ومعناها، مضيفة أن هذه النقطة هي اشكال
من اشكالات الترجمة، أما الاشكال الثاني فهو عدم وجود مجمع عربي موحد يعمل على توحيد
المصطلحات فتتولد بذلك مصطلحات عربية مختلفة لذات الكلمة الأجنبية، فتأتي مشكلة توليد
المصطلح، فبعض العلماء يتجاهل عامدا لمصطلح موجود رغبة منه بإنشاء مصطلح جديد ينسب
له، وفي حالات أخرى جاهلا لا عامدا بوجود ذات المصطلح، وفي حالات أخرى تكون مزاجية
المترجم وعدم اقتناعه بمصطلح ملجأ له بتوليد مصطلحات جديدة يشعر بأنها أنسب في صياغها،
مشيرة إلى أنها تستعد حاليا
لإصدار كتب مترجمة متخصصة في مجال تخصصها.
هذا وقد شهد الصالون العديد
من المداخلات والاسئلة من قبل الحضور، كان ابرزها المطالبة بتدريس العلوم الدقيقة
كالطب والهندسة وغيرها باللغة العربية كما فعلت العديد من بلدان العالم كالنرويج
والسويد وغيرها من الدول التي قامت بتدريس تلك المناهج باللغة الام للدولة، كما
كانت هناك مداخلة أخرى استغربت ممن يطالبون بإغلاق قسم اللغة الانجليزية في إحدى
الجامعات الخاصة لمجرد أن بعض اساتذة القسم يتحدثون مع طلابهم عن بعض المصطلحات
باللغة العربية.
وفي ختام الصالون توجه رئيس
اللجنة الثقافية بالرابطة د. يوسف مسعد العنزي بشكره وتقديره لضيوف الصالون وما
تحدثوا به من معلومات واطروحات قيمة أثرت الفعالية وامتعت الحضور، وقام بتوزيع
شهادات تقدير على ضيوف الصالون تكريما وعرفانا لهم من الرابطة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تنبيه:
الموقع غير مسئول عن أي محتوى أو تصريح أو تعليق يخالف القانون أو يسيء للآخرين