كثر الحديث حول تصنيف الجامعات وطرحت تساؤلات عديدة عن أهمية
وواقعية التصنيف, وكثرت الانتقادات عن تصنيف جامعاتنا ومعاهدنا في الكويت, لذلك
أحببت أن أسلط الضوء على هذا الموضوع لما فيه من أهمية مع ذكر العيوب التي تشوب
أنظمة تصنيف الجامعات العالمية. تلعب مؤسسات التعليم العالي كالجامعات والكليات
والمعاهد العليا دورا كبيرا في بناء المعرفة وذلك من خلال ما تسهم به من اضافة
لرصيد البشرية من العلم عن طريق التدريس ونشر الابحاث العلمية. إن التنافس العالمي
قائم بين مؤسسات التعليم العالي المختلفة ، وتأخذ فيه مساعي هذه المؤسسات نحو
المقدمة صورا وأشكالا متنوعة تبرز في تقديم تعليم متميز وبذل جهود كبيرة لتعزيز
البحث العلمي، أو توفير الدعم المالي لاستقطاب الاساتذة والطلاب الدوليين، أو
إثراء البيئة التعليمية بالأدوات التكنولوجية وتوفير بيئة ومواقع تعليمية
الكترونية، في حين هناك جهات أخرى متخصصة بتقييم هذه المؤسسات تعمل على وضع وبناء
معايير للمفاضلة بين المؤسسات التعليمية الأكاديمية وإلقاء الضوء على جهودها
المميزة من أجل تصنيفها وفقا لهذه المعايير والتي تختلف من جهة لأخرى.
يوجد اليوم الكثير من التصنيفات للجامعات والتي يتم من خلالها
الحكم على مستوى الجامعة وفقاً لمعايير وشروط يتم تحديدها حسب نظرة القائمين على
التصنيف, حيث يقوم كل نظام تصنيفي بوضع ترتيب تسلسلي للجامعات سنويا لبيان مدى
توافر الشروط العلمية والبحثية على المستوى المحلي أو العالمي. إلا أن معايير كل
تصنيف تختلف عن الأخر لدرجة أنه من الصعوبة وضع مقارنة منطقية بين تلك التصانيف.
وقد برز على الساحة مجموعة من المجلات والصحف والمؤسسات التي تقوم بتصنيف الجامعات
حيث تنشر ترتيبا سنويا للجامعات حول العالم ومنها الملحق التربوي Times Higher
Education Supplement (TIMES) و QS University Ranking
وكذلك تصنيف جامعة شنغهاي جياوتونج Shanghai Jiao Tong
University. وبسبب الاختلافات في معايير
التصنيف بين هذه المؤسسات نجد بأن ترتيب الجامعات العالمية يختلف من تصنيف لآخر.
فمثلا وحسب التصنيف العالمي لسنة 2019 تقع جامعة ستانفورد الأمريكية في الترتيب الثالث
عالميا حسب تصنيف ال TIMES في حين يقع ترتيبها الثاني حسب تصنيف ال QS. وكذلك تقع جامعة اكسفورد
البريطانية في الترتيب الأول عالميا حسب تصنيف ال TIMES في حين يقع ترتيبها الخامس حسب تصنيف ال QS.
فلا يخفى على أحد منا تشخيص النتائج غير المرضية للجامعات العربية
ومؤسسات التعليم العالي في الكويت في الترتيب العالمي ورغم ذلك عجز مسؤولي التعليم
العالي عن وضع الحلول المناسبة لذلك. فعادةً ما تمر نتائج التصنيفات الجامعية كشيء
لم يكن, وغالبا ما يتم تجاهل أهمية تلك التصنيفات العالمية على مستوى العالم. وحتى
تحضى مؤسسات التعليم العالي بالكويت بتصنيف عالمي متميز يجب أن تتضافر الجهود
لذلك. ان دخول بعض الجامعات العربية ضمن أفضل 500 جامعة عالمية يعبر عن نجاح
الجهود التي بذلتها تلك الدول في الارتقاء بجامعاتها من خلال العديد من المبادرات.
لذلك يجب الإستفادة من هذه المبادرات وكذلك التعرف على الاسباب الكامنه وراء
المعوقات التي تقف امامنا لبلوغ جامعاتنا ومؤسسات التعليم العالي بالكويت الى
مستوى أرقى 100 أو 200 جامعة عالمية. بالامكان تلخيص بعض الاسباب الكامنة وراء ذلك
من أجل العمل على وضع تحديات جديدة لبلوغ الاهداف المنشودة :
1- ضعف المستوى العلمي لخريجي
الثانوية (وهم مدخلات الكليات والجامعات) وضعف واضح في الرياضيات واللغة
الانجليزية مما يستوجب وضع خطة زمنية عملية ملموسة للنهوض بالتعليم العام.
2- رفع المستوى التدريسي الجامعي
وتغيير فكرة الحفظ والتلقين والتركيز على أساليب التفكير والابداع وتشجيع المشاريع
البحثية لا سيما مع متخصصين من جامعات عالمية بالأخص في التخصصات العلمية.
3- يتوجب إعادة النظر في التعليم
الجامعي وإعادة توجيهه بما يناسب سوق العمل المتميز وسوق العمل العالمي وعدم اتباع
أساليب تدريس ومناهج قديمة وغير فعالة والتي لم تعد مناسبه لسوق العمل الحالي حيث
يعتمد تصنيف الجامعات على جودة المخرجات وأماكن عمل الخريجين اذ ينعكس هذا على
سمعة الجامعة عالميا.
4- عدم أدراك المجتمع الى أهمية تصنيف
الجامعات واهمية الانخراط في الجامعات المتميزة ما ينتج عنه تميز للخريجين وتحقيق
فرص وظيفية أفضل.
5- عدم فعالية كثير من ادارات ضمان
الجودة في مؤسسات التعليم العالي حيث أن جل اهتمام هذه الادارات هي الاستجابة
للتعليمات الصادرة من هيئات الاعتماد وغيرها ولا تنظر بجدية الى معايير التصنيف.
6- العمل على استقطاب الأساتذة
والباحثين والكفاءات العلمية لمؤسساتنا من أجل الأرتقاء بها. هذه الكفاءات لا شك
أنها تساهم في زيادة المخزون العلمي وتساهم في العطاء الاكاديمي والبحثي, حيث تنظر
التصنيفات الى نسبة أعضاء هيئة التدريس الأجانب للعدد الكلي للاساتذة للدلالة على
قدرة الجامعة على استقطاب كفاءات عالمية.
7- توفير مقاعد دراسية في جامعاتنا
للمتميزين من الطلبة الدوليين (من مختلف الجنسيات) فجودة المدخلات من هؤلاء الطلبة
مرتبط بشكل أو بآخر مع تصنيف الجامعات, حيث تنظر التصنيفات الى النسبة التي تتيحها
الجامعة للطلاب الأجانب حول العالم لقياس كفاءة الجامعة في استقطاب طلبة من بلدان عديدة.
8- التصنيفات تركز بشكل كبير على
البحث العلمي وتنظر الى ثلاثة عناصر رئيسية وهي: (1) اللغة التي تنشر فيها البحوث
فالأفضلية هي للغة الإنكليزية، (2) نوعية الابحاث (التركيز على التخصصات العلمية)
(3) نوع المجلات المتميزة التي تنشر فيها البحوث. لذلك يجب إيجاد إجراءات وسياسات
تعمل على توجيه الباحثين نحو كتابة البحوث باللغة الإنكليزية ونشرها في مجلات
عالمية رصينة وكذلك تغيير مجال تركيز البحوث إلى المشاكل الدولية.
9- إجراء تعديلات على لوائح الترقيات
والبعثات والتفرغات العلمية في مؤسساتنا بما يحقق الأرتقاء بالمؤسسة علميا, كما
يجب توفير الدعم اللامحدود للابحاث المتميزة مع توفير حوافز للاساتذة المتميزين في
البحث العلمي.
10- فتح برامج وتخصصات مختلفة
للبكالوريوس وللدراسات العليا اذ تهتم التصنيفات بالنظر الى نسبة طلبة الدراسات
العليا لطلبة البكالوريوس والذي يعكس نشاط البيئة البحثية.
11- تنظر التصنيفات الى نسبة عدد
الطلاب الى إجمالي عدد الأساتذة, فكلما كان عدد أعضاء هيئة التدريس كبيرا كلما
ساهم ذلك بانخفاض النصاب التدريسي والذي بدوره يساهم في زيادة نشاط الأساتذه في
البحث العلمي والارشاد الاكاديمي وخدمة المجتمع وسوق العمل.
الا أن هناك عدد من العيوب التي تشوب أنظمة التصنيف ، ونوجز بعضها
فيما يلي:
1. اشكالية اللغة والتركيز على اللغة
الإنجليزية عند تقييم الأبحاث وهذا قد يستبعد جامعات عريقة كالجامعات الفرنسية
والأسبانية والعربية.
2. هناك هامش ربحي بسيط يسيطر على بعض
جهات التصنيف مما يسهل التشكيك في مصداقية التصانيف. فمثلا US. News و Times Higher
Education هي مؤسسات صحفية.
3. تتجاهل التصنيفات بشكل عام أهم
وظيفة للجامعات وهي التعليم كعامل رئيسي عند تقييم الجامعات وذلك لصعوبة قياس جودة
التعليم كميا، مما استدعى استخدام عوامل قد لا تعكس جودة التعليم بشكل فاعل مثل
نسبة عدد الأساتذة الى عدد الطلبة.
4. قد يعطي أحد أنظمة التصنيف أهمية
كبيرة لنوعية التعليم بينما يركز النظام الآخر على الأنشطة البحثية .
5. تركّز تصنيفات ال QS و ال TIMES على نسبة قليلة من جامعات العالم ، وعلى الرغم من التنّوع والعدد
الكبير من الجامعات الحديثة، إلا أن الـ 200 مؤسسة التى احتلت المراكز الأولى هي
مؤسسات قديمة العهد (بشكل عام 200 سنة وما فوق) تركّز بشكل أساسي على البحث
العلمي، مع عدد كبير من الطلبة والأساتذة؛ وميزانيات سنوية ضخمة.
6. إعطاء الأولية للبحوث العلمية
(العلوم والهندسة والعلوم الطبية) في أنظمة التصنيف الحالية قد يقلل من شأن العلوم
الاجتماعية والعلوم الإنسانية.
7. هناك إختلاف في المعايير المستخدمة
والوزن النسبي لكل معيار وكذلك منهجية جمع البيانات وتحليلها من قبل مؤسسات
التصنيف. فمثلا، يعتمد QS بشكل كبير على عامل تقييم
الأكاديمين والسمعة (40%) حيث يعتبر عامل متحيز وشخصي، في حين أن جودة البحث
العلمي بوزن نسبي 20% فقط ، أما لTIMES فيعطي البحث العلمي ووفرته وجودته وزنا نسبيا عاليا (60%)، وهنا
تبدو اشكالية التفاوت بشكل كبير بين التصنيفين.
د. أحمد الحنيان
استاذ مشارك
المصدر: أكاديميا