الاثنين، 17 أغسطس 2020

أ. د فيصل الشريفي يكتب/ محطات الفساد... ولكل فاسد ثمن

 


هناك علاقة وطيدة تجمع بين الفساد السياسي والمالي والإداري، بحيث إذا ظهر أي منها تجد بقية العناصر حاضرة بالقوة ذاتها، وقد تمتد أذرعها لتشمل المؤسسات الدينية والعلمية والإعلامية والقيم الأخلاقية للمجتمع، ومع ذلك يبقى الفساد المالي سيد الموقف باعتباره المحرك والملهم لبقية أوجه الفساد.

الفساد المالي يشمل جميع الانحرافات المالية المخالفة للقوانين العامة ولأحكام اللوائح والتشريعات غير المتسقة مع ضوابط وتعليمات الرقابة المالية، والإجراءات المنظمة للعمل بالمؤسسات العامة والخاصة وما بين الأفراد.

تاريخ الجرائم المالية والتعدي على المال العام ليس بجديد على المشهد الكويتي، إلا أنه أخذ منحى تصاعديا خلال السنوات العشر الأخيرة، لضخامة هذه الجرائم، ولارتباطها بغسل الأموال وتجارة البشر، مما جعل التغاضي أو التستر عليها أشبه بالمستحيل بعدما سلطت المنظمات والمؤسسات الإعلامية العالمية الضوء عليها.

فتح هذا الملف يدعونا إلى التوقف والتساؤل حول كفاءة السلطات الرقابية في دولة الكويت وقدرتها على محاسبة الفاسدين وتطبيق العدالة على مرتكبي تلك الجرائم، ومن أجل إعادة الثقة وفرض هيبة القانون لابد من فتح ملفات من تضخمت حساباتهم سواء كانوا متنفذين أو أفراداً، وكذلك مراجعة شبهات العقود الحكومية المبالغ فيها مع تفعيل قانون الذمة المالية.

وقف قطار الفساد وفق المعطيات الحالية يعتبر ضرباً من الخيال لما آلت إليه الأحوال السياسية للبلد، والتي تمر بأسوأ أوقاتها، وما يشهده الشارع من صراع بين الخصوم داخل المجلس وخارجه ما هو إلا بسبب الخلاف على توزيع الكيكة.

إصلاح المسار المالي والإداري لا يستقيم إن تجاوزنا عن الفساد السياسي الحاضن والراعي الرسمي لهما، فهو المسؤول عن تمكين الفاسدين في المنظومة الإدارية الحكومية، وهو صاحب ماركة البراشوت للمناصب القيادية، وهو المتهم والراعي الأول للجرائم المالية والتعدي على المال العام.

لقد اختارت الحكومة المواجهة في المكان والزمان الخطأ عبر تبنيها الوثيقة الاقتصادية ولجوئها إلى جيب المواطن، تاركةً وراءها أطناناً من ملفات الفساد، وبذلك سمحت للبعض تسجيل بطولات وهمية خلال المدة المتبقية من عمر المجلس.

اختبار جدية الحكومة الإصلاحي يبدأ مع من تضخمت أرصدتهم، وبصاحب مقولة "كبت أمي"، ومع كل من تولى منصباً قيادياً أو سياسياً وهو حافي القدمين والآن في رصيده الملايين، أو في إرجاع سارق التأمينات ومحاكمته، أو على الأقل بإمكانها وضع يدها على صاحب الصندوق الماليزي الذي لم يعرف كيف دخل في حسابه مليار دولار، فلو فعلت ذلك لكان الشارع أول من يقف معها ويصفق لها طويلاً.

المصلح الصادق هو من يتبنى وثيقة إصلاح شمولية تقوم وتعالج الوضع الإداري والمالي للبلد وتحاسب الحرامي والمرتشي وتضع السياسي عند حجمه الطبيعي، عندها فقط يستطيع من يحمل راية الإصلاح أن يمرر وثيقته الاقتصادية.

من العبارات الشائعة في اللغة الإنكليزية "لكل شيء ثمن" وعندنا "لكل فاسد ثمن".

ودمتم سالمين.

 

 

المصدر: جريدة الجريدة

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تنبيه:
الموقع غير مسئول عن أي محتوى أو تصريح أو تعليق يخالف القانون أو يسيء للآخرين