الثلاثاء، 14 يوليو 2020

قبل جيب المواطن





بقلم: أ. د. فيصل الشريفي 

لقد فرض الدستور الكويتي على الحكومة توفير المقومات الأساسية لصون حياة كريمة للمواطنين الكويتيين، وألزمها بالتكفل بحقهم في الحصول على التعليم والعلاج الصحي المجاني، وضمن لهم حقهم في العمل والمسكن، كما أنه وفي أكثر من مادة ألزم الدولة بهذه الحقوق واعتبارها من المسلمات.
من الواضح أن معظم مؤسسات الدولة لم تعد قادرة على التعاطي مع هذه النصوص الدستورية خلال السنوات الماضية، ويبدو أنها تقف عاجزة عن إيجاد الحلول إذا ما استمرت في استخدام الصندوق ذاته والأفكار ذاتها في معالجة هذه القضايا المصيرية، بحيث لم يعد بإمكانها مواجهة العجز المتكرر في الميزانية نتيجة تدهور أسعار النفط وسوء التدبير.
لا قانون دعم المبادرين وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة نجح، ولا مشروع مدينة الحرير رأى النور، ولا رؤية الكويت 2035 شقت طريقها إلى أرض الواقع، ومن يضع العراقيل يتفنن في صياغتها، ويتمتع بكسر كل المبادرات الخيرة، يعمل ليل نهار من أجل بقاء الموارد المالية خاضعة لدائرة الاستحواذ نفسها من أفراد وعوائل، لذلك يجب على الحكومة تغيير نهجها في الإدارة الاقتصادية بمعالجات جذرية وبإرادة حديدية.
من الواضح أن مواقع الفساد متعددة ومن الضروري اقتلاعها من جذورها سواء كانت إدارية أو مالية واقتلاع من يقف وراءها مهما كان اسمه وصفته، ولا بد من تفعيل أدوات الرقابة المالية بالكشف عن أصحاب الحسابات المتضخمة فهي السبيل الوحيد لمعرفة مافيا الفساد.
على العموم لم يعد تاجر الإقامات البنغالي وغسل الأموال الماليزي هما الوحيدان على الساحة، فجذور الفساد ليست وليدة الساعة، وإن كان البنغالي تمكن من جلب بضعة آلاف فكيف نفسر وجود أكثر من مليون وافد فائض عن الحاجة الفعلية، وما لا يقل عن 150 ألف مخالف لنظام الإقامة؟ وكيف نقتنع بمصداقية قضية غسل الأموال بالصندوق الماليزي وسارق أموال المتقاعدين حرا طليقا؟ وماذا عن مليارات "الداو" وتكرار حرائق جامعة الكويت، وسرقات "الداخلية"؟
إن كانت الدولة جادة في الإصلاح فعليها البدء بالرؤوس الكبيرة، ومعاملة قيادتها كبقية الموظفين، وأن تنظر إلى مجالس إدارات تلك الجهات والمؤسسات، وإلى الأسماء التي أصبحت مثل الأحرف الأبجدية تجدها عند كل تشكيل، لذلك إن لم يتغير الصندوق فلن تتغير الحال.
قبل جيب المواطن انظروا إلى من يستحوذ على ثروات الكويت وإلى حجم وقيمة الأراضي التي تقع تحت أيدي بعض المتنفذين وإلى طريقة تصرفهم بهذه الأراضي.
قصة أخيرة لا أظنها غائبة عن ذاكرة الكويتيين لما حملته من تجاذبات سياسية في حينها، وهي مشروع لؤلؤة الخيران التي جاءت من القطاع الخاص لحل جزء من المشكلة الإسكانية من خلال بيع تلك القسائم بأسعار في متناول المواطن ذي الدخل المتوسط وإلى ما وصلت إليه الأسعار بعد ذلك.
في النهاية وثيقة الإصلاح المالي "كلام فاضي"، إن لم يطل الرؤوس الكبيرة، وكلام بلا معنى إن لم يحمل في طياته إصلاحاً للمسار الاقتصادي بعيداً عن جيب المواطن.
يا خوفي بعد الصندوق الماليزي يطلع الصندوق الفلبيني والصيني والأميركي.
ودمتم سالمين.

المصدر/ جريدة الجريدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تنبيه:
الموقع غير مسئول عن أي محتوى أو تصريح أو تعليق يخالف القانون أو يسيء للآخرين