الاثنين، 29 يونيو 2020

العقارات على شفا الانهيار!




نقلا عن جريدة القبس
إعداد: هبة حماد  heba_heather@alqabas.com.kw

اكتظاظ المطار بالمغادرين؛ مناطق لا تزال معزولة؛ وعقارات بدأت تخلو، هذه المشاهد باتت مألوفة في الآونة الأخيرة في ظل توجه الحكومة نحو تطبيق رؤيتها بإعادة التركيبة السكانية من جهة، ودعم سياسة تكويت الوظائف المحلية من جهة أخرى. ولتحقيق ذلك، تعتزم الحكومة تعديل التركيبة السكانية لتكون نسبة الوافدين 30 % مقابل %70 للمواطنين، وقد شهدت حركة الطيران أخيرا أعدادا غير مسبوقة من الرحلات لنقل المغادرين إلى أوطانهم، وقد تجاوزت أعداد الوافدين الذين غادروا البلاد حتى الآن الـ 100 ألف فرد، ولا تزال الأرقام بازدياد متواصل.

على الرغم من مباركة العديد من المواطنين للتوجه الحكومي الحازم في هذا الشأن، إلا أن هناك شريحة كبيرة على النقيض منهم رأوا ضرورة دراسة هذه الخطوة قبل التسرع بتطبيقها، ونخص بالذكر «العقاريين»، حيث أبدوا استياءهم من هذا الإجراء، كونهم باتوا الضحية الأكبر من بعض القرارات التي اتخذتها الدولة في الآونة الأخيرة والتي سيترتب عليها مغادرة أعداد كبيرة من الوافدين الذين يشكلون نسب كبيرة من سكان عقاراتهم إلى جانب عمالتهم التجارية.

وبالإضافة إلى البدء بعمليات إجلاء العمالة الوافدة، كان قد سبق هذه الخطوة قرارات شملت تخفيض الرواتب، وعزل كلي لمناطق شملت عقارات السكن الاستثماري ومعظمها تقطنها فئة العمالة، الأمر الذي أضر بدخل العديد من المستأجرين، ما أدى إلى تخلف في عمليات سداد ودفع الإيجارات ناهيك عن رحيل البعض مخلفين وراءهم مزيدا من الشقق الخاوية ونقصا في العمالة، وجميعها عوامل انعكست بشكل مباشر على عوائد وإيرادات ملاك العقار.

تأثر «الاستثماري» و«التجاري»
مع تزايد رحيل الوافدين، باتت توقعات خبراء العقار تشير إلى بدء تدهور حال معظم قطاعات العقار والتي ستستمر على هذا الحال خلال الفترة المقبلة أو إلى أن تزول سحابة كوفيد-19 على الأقل.
ومن أبرز تلك التوقعات انخفاض قادم ستشهده عقارات الاستثماري من حيث الأسعار وحتى الأداء؛ ووفقا لأحدث تقرير أعده بنك الكويت الوطني في الشأن العقاري، توقع تأثر سوق العقار، خصوصاً القطاعين التجاري والاستثماري، والقطاع السكني وإن كان بدرجة أقل، في الربع الثاني من عام 2020 على خلفية تفشّي جائحة فيروس كورونا والتدابير الاحترازية التي جرى فرضها لاحتواء الجائحة، خاصة عمليات الحظر والقيود التي فُرضت على الأنشطة التجارية، وهو الأمر الذي أدى إلى التأثير سلباً في ظروف العمل وفقد الوظائف، خصوصاً في صفوف الوافدين.
وذكر التقرير أن مبيعات القطاع الاستثماري انخفضت بنسبة %42، على أساس شهري، و%18، على أساس سنوي، إلى 62 مليون دينار في فبراير، ويعزى هذا التراجع الشهري إلى انخفاض الأسعار ومتوسط حجم الصفقات. أما على صعيد الأسعار، فقد ظلت منخفضة نسبياً ضمن هذا القطاع الذي تأثر سلباً بضعف المقومات الأساسية منذ أوائل عام 2017 بما يعكس جزئياً ضعف الطلب من فئة الوافدين من جهة، واستمرار تزايد العرض من جهة أخرى.
كما انخفضت أسعار المباني والشقق كما في شهر يناير بنسبة %3 و%5 على التوالي على أساس سنوي، ومن المتوقع أن تتأثر أسعار ومبيعات القطاع الاستثماري سلباً على خلفية تداعيات تفشي وباء كورونا المستجد، خاصة بالنظر إلى أن معظم الطلب على إيجارات مثل تلك النوعية من العقارات ينبع عادةً من القوى العاملة الوافدة التي تأثرت بالتأكيد بسبب عمليات الحظر وإغلاق الأنشطة التجارية. ومن شبه المؤكد أن يتأثر القطاع التجاري أيضا بحالة الحظر المفروضة، على خلفية تفشّي فيروس كورونا وتأثيره السلبي في مبيعات وإيرادات الأنشطة التجارية، وهناك بالفعل تقارير مختلفة عن المصاعب التي تواجهها بعض الشركات في دفع إيجار المساحات التجارية، مما أدى إلى خفض قيمة الإيجار وتأجيل السداد لمختلف المستأجرين التجاريين، وإن كانت فئة مستأجري قطاع التجزئة هم الأشد تأثراً بارتفاع إيجارات مراكز التسوق.
تقرير «الوطني» لم يخفِ حقيقة تغييره لنظرته تجاه مستقبل العقار؛ وبدلا من توقعات يسودها الاستقرار، فقد أوضح أن الامر لم يعد كذلك. بحيث قد يؤدي تراجع أسعار النفط إلى ارتفاع مخاوف المستثمرين والمشترين، مما قد يؤدي إلى تأجيل عمليات الشراء المرتقبة.

تفاقم المخاوف بالإضافة إلى دراسة «الوطني».
الخبراء وأصحاب العقار هم أيضاً لم يخفوا مخاوفهم في ما يتعلق بمستقبل القطاع العقاري، حيث أبدى أمين سر اتحاد العقاريين قيس الغانم استياءه مما يحصل، مؤكداً على ضرورة إعادة النظر في الإجراءات والقرارات الحالية قائلاً: «أنا مصدوم من كثرة القرارات التي تم اتخاذها في غياب استشارة القطاع الخاص وحتى الآن لم تثمر بنتائج ملحوظة، ناهيك عن تلك المعنية بإعادة التركيبة السكانية والتي سينتج عنها العديد من الانعكاسات السلبية على جميع القطاعات كالعقار والقطاعات الاستهلاكية والصناعية، حيث لا بد أن تكون مدروسة بدلاً من الاستعجال في تطبيقها».
وأضاف الغانم «أؤيد فكرة إعادة التركيبة السكانية شرط أن تطبق بشكل مدروس حتى لا نخسر أفراداً وعمالة نحن في حاجة إليها. في النهاية هناك أعمال المواطن لم ولن يقبل بالعمل فيها كتصليح السيارات والكهربائي والسباكة وغيرها».
ويرى البعض أن حقيقة تطبيق معادلة تكويت الوظائف بنسب 70 في المئة - 30 في المئة تعد نظرية غير واقعية بل شبه مستحيلة، كما أنها بحاجة إلى المزيد من البحث إذا ما أرادت الدولة تحقيق أهدافها ومشاريعها المرجوة مستقبلاً؛ هذا ما أكده نائب الرئيس التنفيذي لشركة التنمية العقارية سليمان المضيان، موضحاً أن قرار الدولة المعني بإعادة التركيبة السكانية جيد إلا أنه لن يكون من السهل تطبيقه على أرض الواقع، خصوصاً بواقع النسب التي تمت الإشارة إليها من قبل الحكومة، مؤكداً على ضرورة عمل دراسة دقيقة للمقترح قبل تحديد النسب لتكون أكثر واقعية وتصب في مصلحة الدولة مستقبلاً.
المضيان لم يتردد في الإفصاح عن حقيقة أن الدولة لا يمكنها الاستغناء عن العمالة الوافدة، فقوام قوة الدولة يرتكز على التنوع، والفئة الوافدة ستظل ضرورة لدعم القطاعات الاقتصادية من جهة، وتحقيق رؤية كويت 2035 من جهة أخرى. وبين المضيان أن تعديل الكثافة السكانية سيؤدي إلى خلو كبير سيلحق بالوحدات السكنية بنسبة قد تصل إلى 16.5 في المئة.
من وجهة نظر المضيان فإن تصحيح الوضع الحالي سيكون من خلال ترحيل العمالة السائبة والمخالفة، بالإضافة إلى التوجه نحو تكويت بعض الوظائف، وإيقاف استقدام العمالة الوافدة وفق خطة زمنية واضحة إلى حين تحقيق الأهداف المرجوة التي تتعلق بالكثافة السكانية.
وعند سؤال المضيان عن مستقبل مواد البناء قال: «ينقسم قطاع المقاولات إلى شقين: مواد البناء وقطاع الإنشاء والبناء، وأعتقد أن قطاع الإنشاء والبناء سينال نصيب الأسد من التأثر نتيجة شح العمال والمتخصصين والفنيين العاملين لدى شركات المقاولات، وبالتالي فإن أسعار أجرة الأيدي العاملة ستشهد ارتفاعاً ملحوظاً، الأمر الذي سيزيد من كلفة البناء. وفي ما يتعلق بمواد البناء، فإنها ستشهد تأثيراً طفيفاً نتيجة ركود قطاع المقاولات وسيظل الوضع مرهوناً بمدى نشاط مشاريع الدولة والعقار مستقبلاً».

قوانين صارمة.
على الرغم مما صرح به الخبراء من مخاوف على مستقبل القطاع، فإن توقعات الخبير العقاري عبد العزيز الدغيشم جاءت أقل سلبية في هذا الشأن خاصة في حال تم اعتماد بعض الحلول، فمن وجهة نظره سيكون هناك تأثير بلا شك على جميع القطاعات العقارية الاستثماري والتجاري والسكني والصناعي ولكن ستكون بنسب متفاوتة فيما يتعلق بالقطاع الاستثماري، على الرغم من مغادرة العديد من الوافدين ومخالفي الإقامة في الآونة الأخيرة، إلا أن التوقعات تشير إلى أنه لن يكون هناك تأثير قوي إذا ما أصدرت الحكومة قوانين صارمة تمنع فيها ومن خلالها تسكين أكثر من أربعة أشخاص في غرفة واحدة وتمنع تناوب العمالة على السرير.
وبالتالي لا بد من تنظيم ومراقبة عمليات التأجير والالتزام بأعداد المستأجرين وبهذه الطريقة سيتم الطلب على الاستثماري وإشغال الشقق والبنايات الخالية.
ولكن، في حال ظل الأمر كما كان في السابق فإن التأثير سيكون كبيرا، وأضاف: «لقد شهدنا في احدى المناطق وجود أكثر من 800 إلى ألف شخص في بناية واحدة، اكتشفتها الجهات المسؤولة خلال الفترة الأخيرة».
وأوضح الدغيشم «أما بالنسبة للقطاع التجاري فهو المتضرر الأكبر، حيث ستتمركز الاشغال في المحال والمجمعات التجارية المطلة على الواجهة الأمامية من المناطق، أما المحال الكائنة في المناطق الداخلية والميزانين والسراديب فهي التي ستتضرر بشكل كبير، سبب آخر يجعل (التجاري) أكثر القطاعات العقارية ضررا هو اعتماده على العمالة الوافدة، فالنشاط التجاري وإشغال المولات والمحال التجارية جميعها تعتمد عليها ومشروع إعادة النظر بالتركيبة السكانية لن يكون في مصلحتها». وأضاف «أما فيما يتعلق بالقطاع السكني فمن المتوقع أنه سيتضرر ولكن بنسبة قليلة من حيث النزول الذي غالبا سيتراوح من %15 الى %20، وأما القطاع الصناعي فإنه لن يتأثر كثيرا حيث ستعاود القطاعات الصناعية لمزاولة أنشطتها تدريجيا، حيث يعتبر هذا القطاع من القطاعات الحيوية ولن يتأثر تأثيرا قويا».
رأي الدغيشم جاء أيضا مختلفا فيما يتعلق بشأن قطاع البناء ومواد الإنشاء حيث قال: «لن يتأثر بشكل كبير بل سيشهد طلبا عليه، خاصة في ظل أن الكثير قد تعطلت أعمال البناء والترميم لديهم خلال فترات الحظر، ناهيك عن التعطيل الحكومي بسبب أزمة فيروس كورونا التي امتدت إلى أربعة أشهر تقريبا، ولكن سيكون هناك بعض الارتباك وحالة من عدم الاستقرار إلى أن تتحسن الأمور الصحية وتعود الحياة إلى طبيعتها تدريجيا، ما سيساعد السوق العقاري على تعديل وضعه تلقائيا».

منطقة الانكماش.
وفقا لمؤشر أسعار المستهلكين، لا تزال الإيجارات السكنية (الشقق في الأغلب) في منطقة الانكماش (%0.3- على أساس سنوي) وذلك على الرغم من استقرارها على مدى الأشهر العشرة الماضية، إلا أنه من المتوقع أن تستأنف اتجاهها الهبوطي في ظل ارتفاع الشواغر، إذ تشير أحدث التقارير إلى تراجع الإيجارات أو ربما عدم تحصيل قيمة الإيجار لمدد تتراوح ما بين شهر إلى شهرين في إطار محاولة الملاك جذب مستأجرين جدد. Volume 0%    

حقائق وأرقام.
أكد سليمان المضيان أنه سيكون من الصعب الاستغناء عن الوافدين حتى لو تم استبدالهم بالعمالة الوطنية، مشيرا إلى أن هناك عددا من الحقائق لا بد من استيعابها قبل الإقدام على اتخاذ أي خطوة في هذا الشأن أبرزها:-
1- ترحيل الوافدين سينعكس مباشرة على أسعار العقار الاستثماري، بحيث سيشهد انخفاضا بنسب تتراوح ما بين 30 - %40.
2- عقارات الاستثماري ستكون الأكثر تأثرا بواقع 10 - %12، أما الانعكاسات على عقارات السكني فستكون طفيفة، في حين عقارات التجاري ستتأثر من حيث تجارة التجزئة والمطاعم والايجارات نتيجة انخفاض نسب الاستهلاك، ناهيك عن أنها تعتمد في إشغالها على العمالة الوافدة.
3- اجمالي عدد الوحدات السكنية في الكويت يبلغ 387 ألف وحده ووفقا لأحدث الاحصائيات فإن الشاغر منها يبلغ 34 ألف وحدة وأما الوحدات التي لا تزال تحت الإنشاء يبلغ عددها 20 ألفا تقريبا.
4- عدد العزاب الذين يعملون في مهن مختلفة، منها خدمية وفنية وعمال صيانة ونظافة وأمن وغيرها، يبلغ 1.240 مليون عازب، يشغلون حاليا عددا كبيرا من مجموع الوحدات السكنية بمعدل %35، وفي حال قامت الدولة بترحيل العمالة المخالفة منهم فإن عدد الوحدات ستنخفض إلى نحو %30 فقط.
5- هناك 2.105 مليون عائلة وافدة تقطن حاليا في نحو 250 ألف وحدة سكنية، ولو فرضنا تم ترحيل %15 منهم بشكل تدريجي، فإن الباقي منهم سيشغل نحو 190 ألف وحدة سكنية.
6- في حال اعتمدت الدولة خطة لترحيل جميع المخالفين وإنهاء خدمات بعض المقيمين وهجرة بعض العوائل الأجنبية، فإن ذلك سيكون له تأثير مباشر على مقاولي العقارات الاستثمارية وموردي مواد البناء والكهرباء والأدوات الصحية، بالإضافة الى قطاع الصيانة وقد تصل نسبة تأثرهم في السنوات القادمة الى %10.
7- سيكون من الصعب الاستغناء عن الوافدين، خاصة في ظل تطلع الدولة إلى تحقيق وتنفيذ مشاريع رؤية كويت جديدة 2035.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تنبيه:
الموقع غير مسئول عن أي محتوى أو تصريح أو تعليق يخالف القانون أو يسيء للآخرين